فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)

فسلام لك من أصحاب اليمين أي : لست ترى منهم إلا ما تحب من السلامة فلا تهتم لهم ، فإنهم يسلمون من عذاب الله . وقيل : المعنى : سلام لك منهم ، أي : أنت سالم من الاغتمام لهم . والمعنى واحد . وقيل : أي : إن أصحاب اليمين يدعون لك يا محمد بأن يصلي الله عليك ويسلم . وقيل : المعنى أنهم يسلمون عليك يا محمد . وقيل : معناه سلمت أيها العبد مما تكره فإنك من أصحاب اليمين ، فحذف " إنك " . وقيل : إنه يحيا بالسلام إكراما ، فعلى هذا في محل السلام ثلاثة أقاويل ؛ أحدها : عند قبض روحه في الدنيا يسلم عليه ملك الموت ؛ قاله الضحاك . وقال ابن مسعود : إذا جاء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال : ربك يقرئك السلام . وقد مضى هذا في سورة ( النحل ) عند قوله تعالى : الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ، الثاني : عند مساءلته في القبر يسلم عليه منكر ونكير ، الثالث : عند بعثه في القيامة تسلم عليه الملائكة قبل وصوله إليها .
قلت : وقد يحتمل أن تسلم عليه في المواطن الثلاثة ويكون ذلك إكراما بعد إكرام ، والله أعلم . وجواب " إن " عند المبرد محذوف ، التقدير : مهما يكن من شيء فسلام لك من أصحاب اليمين إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين فحذف جواب الشرط لدلالة ما تقدم عليه ، كما حذف الجواب في نحو قولك : أنت ظالم إن فعلت ، لدلالة ما تقدم عليه . ومذهب الأخفش أن الفاء جواب " أما " و " إن " ، ومعنى ذلك أن الفاء جواب " أما " وقد سدت مسد جواب " إن " على التقدير المتقدم ، والفاء جواب لهما على هذا الحد . ومعنى " أما " عند الزجاج : الخروج من شيء إلى شيء ، أي : دع ما كنا فيه وخذ في غيره .
فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)

( فسلام لك من أصحاب اليمين ) أي سلامة لك يا محمد منهم فلا تهتم لهم ، فإنهم سلموا من عذاب الله أو أنك ترى فيهم ما تحب من السلامة .
قال مقاتل : هو أن الله تعالى يتجاوز عن سيئاتهم ويقبل حسناتهم .
وقال الفراء وغيره : مسلم لك أنهم من أصحاب اليمين ، أو يقال لصاحب اليمين : مسلم لك أنك من أصحاب اليمين . وألفيت : إن كالرجل يقول إني مسافر عن قليل ، فيقول له : أنت مصدق مسافر عن قليل ، وقيل : " فسلام لك " أي عليك من أصحاب اليمين .
فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)

{ فـ } يقال لأحدهم: { سَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ } أي: سلام حاصل لك من إخوانك أصحاب اليمين أي: يسلمون عليه ويحيونه عند وصوله إليهم ولقائهم له، أو يقال له: سلام لك من الآفات والبليات والعذاب، لأنك من أصحاب اليمين، الذين سلموا من الذنوب الموبقات.
فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)

ثم اختلف في معنى قوله: ( فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) فقال أهل التأويل فيه ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) فسلام لك من أصحاب اليمين قال: سلام من عند الله، وسلمت عليه ملائكة الله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) قال: سلم مما يكره.
وأما أهل العربية، فإنهم اختلفوا في ذلك (1) فقال بعض نحوَّيي البصرة ( وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) : أي فيقال سلم لك. وقال بعض نحوَّيي الكوفة: قوله: ( فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) : أي فذلك مسلم لك أنك من أصحاب اليمين، وألقيت " أن " ونوى معناها، كما تقول: أنت مصدّق مسافر عن قليل، إذا كان قد قال: إني مسافر عن قليل، وكذلك يجب معناه أنك مسافر عن قليل، ومصدّق عن قليل. قال: وقوله: ( فَسَلامٌ لَكَ ) معناه: فسلم لك أنت من أصحاب اليَمِين. قال: وقد يكون كالدعاء له، كقوله: فسُقيًا لك من الرجال. قال: وإن رفعت السلام فهو دعاء، والله أعلم بصوابه.
وقال آخر منهم قوله: فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فإنه جمع بين جوابين، ليعلم أن أمَّا جزاء: قال: وأما قوله: ( فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) قال: وهذا أصل الكلمة مسلم لك هذا، ثم حذفت " أن " وأقيم " مِنْ" مَقامها. قال: وقد قيل: فسلام لك أنت من أصحاب اليَمِين، فهو على ذاك: أي سلام لك، يقال: أنت من أصحاب اليمين، وهذا كله على كلامين.
قال: وقد قيل مسلم: أي كما تقول: فسلام لك من القوم، كما تقول: فسُقيًا لك من القوم، فتكون كلمة واحدة.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: معناه: فسلام لك إنك من أصحاب اليمين، ثم حُذفت واجتزئ بدلالة مِنْ عليها منها، فسلمت من عذاب الله، ومما تكره، لأنك من أصحاب اليمين.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features