وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)

ولو نشاء لأريناكهم أي لعرفناكهم . قال ابن عباس : وقد عرفه إياهم في سورة ( التوبة ) تقول العرب : سأريك ما أصنع ، أي : سأعلمك ، ومنه قوله تعالى : بما أراك الله أي : بما أعلمك . فلعرفتهم بسيماهم أي بعلاماتهم . قال أنس ما خفي على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد هذه الآية أحد من المنافقين ، كان يعرفهم بسيماهم . وقد كنا في غزاة وفيها سبعة من المنافقين يشك فيهم الناس ، فأصبحوا ذات ليلة وعلى جبهة كل واحد منهم مكتوب ( هذا منافق ) فذلك سيماهم . وقال ابن زيد : قدر الله إظهارهم وأمر أن يخرجوا من المسجد فأبوا إلا أن يتمسكوا بلا إله إلا الله ، فحقنت دماؤهم ونكحوا وأنكحوا بها . ولتعرفنهم في لحن القول أي في فحواه ومعناه . ومنه قول الشاعر :
وخير الكلام ما كان لحنا
أي : ما عرف بالمعنى ولم يصرح به . مأخوذ من اللحن في الإعراب ، وهو الذهاب عن الصواب ، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض أي : أذهب بها في الجواب لقوته على تصريف الكلام . أبو زيد : لحنت له ( بالفتح ) ألحن لحنا إذا قلت له قولا يفهمه عنك ويخفى على غيره . ولحنه هو عني ( بالكسر ) يلحنه لحنا أي : فهمه . وألحنته أنا إياه ، ولاحنت الناس فاطنتهم ، قال الفزاري :
وحديث ألذه هو مما ينعت الناعتون يوزن وزنا
منطق رائع وتلحن أحيا نا وخير الحديث ما كان لحنا
يريد أنها تتكلم بشيء وهي تريد غيره ، وتعرض في حديثها فتزيله عن جهته من فطنتها وذكائها . وقد قال تعالى : ولتعرفنهم في لحن القول وقال القتال الكلابي :
ولقد وحيت لكم لكيما تفهموا ولحنت لحنا ليس بالمرتاب
وقال مرار الأسدي :
ولحنت لحنا فيه غش ورابني صدودك ترضين الوشاة الأعاديا
قال الكلبي : فلم يتكلم بعد نزولها عند النبي - صلى الله عليه وسلم - منافق إلا عرفه . وقيل : كان المنافقون يخاطبون النبي - صلى الله عليه وسلم - بكلام تواضعوه فيما بينهم ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع ذلك ويأخذ بالظاهر المعتاد ، فنبهه الله تعالى عليه ، فكان بعد هذا يعرف المنافقين إذا سمع كلامهم . قال أنس : فلم يخف منافق بعد هذه الآية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عرفه الله ذلك بوحي أو علامة عرفها بتعريف الله إياه . والله يعلم أعمالكم أي لا يخفى عليه شيء منها .
وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)

( ولو نشاء لأريناكهم ) أي لأعلمناكهم وعرفناكهم ( فلعرفتهم بسيماهم ) بعلامتهم ، قال الزجاج : المعنى : لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة تعرفهم بها .
قال أنس : ما خفي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين ، كان يعرفهم بسيماهم .
( ولتعرفنهم في لحن القول ) في معناه ومقصده .
" واللحن " : وجهان صواب وخطأ ، فالفعل من الصواب : لحن يلحن لحنا فهو لحن إذا فطن للشيء ، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض " .
والفعل من الخطأ لحن يلحن لحنا فهو لاحن . والأصل فيه : إزالة الكلام عن جهته .
والمعنى : إنك تعرفهم فيما يعرضون به من تهجين أمرك وأمر المسلمين والاستهزاء بهم ، فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا عرفه بقوله ، ويستدل بفحوى كلامه على فساد دخيلته .
( والله يعلم أعمالكم ) .
وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)

{ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ } أي: بعلاماتهم التي هي كالوسم في وجوههم. { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ } أي: لا بد أن يظهر ما في قلوبهم، ويتبين بفلتات ألسنتهم، فإن الألسن مغارف القلوب، يظهر منها ما في القلوب من الخير والشر { وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } فيجازيكم عليها.
وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)
( وَلَوْ نَشَاءُ لأرَيْنَاكَهُمْ ) يقول تعالى : ولو نشاء يا محمد لعرّفناك هؤلاء المنافقين حتى تعرفهم من قول القائل: سأريك ما أصنع، بمعنى سأعلمك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
وقوله: (فلعرفتهم بسيماهم) يقول: فلتعرفهم بعلامات النفاق الظاهرة منهم في فحوى كلامهم وظاهر أفعالهم ثم إن الله تعالى ذكره عرفه إياهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ )... إلى آخر الآية, قال: هم أهل النفاق, وقد عرّفه إياهم في براءة, فقال: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ، وقال: فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا .
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ )... الآية, هم أهل النفاق ( فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ) فعرّفه الله إياهم في سوره براءة, فقال: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا ، وقال ( قل لهم لن تَنْفِرُوا (1) معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا ) .
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ) قال: هؤلاء المنافقون, قال: والذي أسروا من النفاق هو الكفر.
قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( وَلَوْ نَشَاءُ لأرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ) قال: هؤلاء المنافقون, قال: وقد أراه الله إياهم, وأمر بهم أن يخرجوا من المسجد, قال: فأبوا إلا أن تمسكوا بلا إله إلا الله; فلما أبوا إلا أن تمسكوا بلا إله إلا إلله حُقِنت دماؤهم, ونكحوا ونوكحوا بها.
وقوله ( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ) يقول: ولتعرفنّ هؤلاء المنافقين في معنى قولهم نحوه.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ) قال قولهم: ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ) لا يخفى عليه العامل منكم بطاعته, والمخالف ذلك, وهو مجازي جميعكم عليها.
الهوامش:
(1) التلاوة " لن تخرجوا"
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features