وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)

( واصبر لحكم ربك ) إلى أن يقع بهم العذاب الذي حكمنا عليهم ( فإنك بأعيننا ) أي بمرأى منا ، قال ابن عباس : نرى ما يعمل بك . وقال الزجاج : إنك بحيث نراك ونحفظك فلا يصلون إلى مكروهك . ( وسبح بحمد ربك حين تقوم ) قال سعيد بن جبير وعطاء : أي : قل حين تقوم من مجلسك : سبحانك اللهم وبحمدك ، فإن كان المجلس خيرا ازددت فيه إحسانا ، وإن كان غير ذلك كان كفارة له .
أخبرنا أبو عبد الله عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد القفال ، أخبرنا أبو منصور أحمد بن الفضل البرونجردي ، أخبرنا أبو أحمد بكر بن محمد الصيرفي ، حدثنا أحمد بن عبد الله القرشي ، حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من جلس مجلسا وكثر فيه لغطه ، فقال قبل أن يقوم : سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، إلا كان كفارة لما بينهما " .
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : معناه صل لله حين تقوم من مقامك .
وقال الضحاك والربيع : إذا قمت إلى الصلاة فقل : " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك " .
أخبرنا أبو عثمان الضبي ، أخبرنا أبو محمد الجراحي ، حدثنا أبو العباس المحبوبي ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا الحسن بن عرفة ويحيى بن موسى قال : حدثنا أبو معاوية عن حارثة بن أبي الرجال ، عن عمرة عن عائشة قالت : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة قال : " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك " .
وقال الكلبي : هو ذكر الله باللسان حين تقوم من الفراش إلى أن تدخل في الصلاة .
أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني ، أخبرنا أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمر اللؤلئي ، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، حدثنا محمد بن نافع ، حدثنا زيد بن حباب ، أخبرني معاوية بن صالح ، أخبرنا أزهر بن سعيد الحرازي عن عاصم بن حميد قال : سألت عائشة رضي الله تعالى عنها بأي شيء كان يفتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيام الليل ؟ فقالت : كان إذا قام كبر الله عشرا ، وحمد الله عشرا ، وسبح الله عشرا ، وهلل عشرا ، واستغفر عشرا ، وقال : اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني ، ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة " .
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)

ولما بين تعالى الحجج والبراهين على بطلان أقوال المكذبين، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يعبأ بهم شيئا، وأن يصبر لحكم ربه القدري والشرعي بلزومه والاستقامة عليه، ووعده الله بالكفاية بقوله: { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } أي: بمرأى منا وحفظ، واعتناء بأمرك، وأمره أن يستعين على الصبر بالذكر والعبادة، فقال: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } أي: من الليل.
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)

قوله تعالى : واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا فيه مسألتان :
الأولى : واصبر لحكم ربك قيل : لقضاء ربك فيما حملك من رسالته . وقيل : لبلائه فيما ابتلاك به من قومك ; ثم نسخ بآية السيف .
الثانية : قوله تعالى : فإنك بأعيننا أي بمرأى ومنظر منا نرى ونسمع ما تقول وتفعل . وقيل : بحيث نراك ونحفظك ونحوطك ونحرسك ونرعاك . والمعنى واحد . ومنه قوله تعالى لموسى عليه السلام : ولتصنع على عيني أي بحفظي وحراستي وقد تقدم .
قوله تعالى : وسبح بحمد ربك حين تقوم فيه :
قوله تعالى : وسبح بحمد ربك حين تقوم اختلف في تأويل قوله : حين تقوم فقال عون بن مالك وابن مسعود وعطاء وسعيد بن جبير وسفيان الثوري وأبو الأحوص : يسبح الله حين يقوم من مجلسه ; فيقول : سبحان الله وبحمده ، أو سبحانك اللهم وبحمدك ; فإن كان المجلس خيرا ازددت ثناء حسنا ، وإن كان غير ذلك كان كفارة له ; ودليل هذا التأويل ما خرجه الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك قال : حديث حسن صحيح غريب . وفيه عن ابن عمر قال : كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة من قبل أن يقوم : رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور قال : حديث حسن صحيح غريب .
وقال محمد بن كعب والضحاك والربيع : المعنى حين تقوم إلى الصلاة . قال الضحاك : يقول : الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا . قال الكيا الطبري : وهذا فيه بعد ; فإن قوله : حين تقوم لا يدل على التسبيح بعد التكبير ، فإن التكبير هو الذي يكون بعد القيام ، والتسبيح يكون وراء ذلك ، فدل على أن المراد فيه حين تقوم من كل مكان كما قال ابن مسعود رضي الله عنه . وقال أبو الجوزاء وحسان بن عطية : المعنى حين تقوم من منامك . قال حسان : ليكون مفتتحا لعمله بذكر الله . وقال الكلبي : واذكر الله باللسان حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل الصلاة وهي صلاة الفجر .
وفي هذا روايات مختلفات صحاح ; منها حديث عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم : من تعار في الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير والحمد لله وسبحان الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته خرجه البخاري . تعار الرجل من الليل : إذا هب من نومه مع صوت ; ومنه عار الظليم يعار عرارا وهو صوته ; وبعضهم يقول : عر الظليم يعر عرارا ، كما قالوا زمر النعام يزمر زمارا . وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل : اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن أنت الحق ووعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك الحق والجنة حق والنار حق والساعة حق والنبيون حق ومحمد حق اللهم لك أسلمت وعليك توكلت وبك آمنت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وأسررت وأعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولا إله غيرك متفق عليه .
وعن ابن عباس أيضا أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا استيقظ من الليل مسح النوم من وجهه ; ثم قرأ العشر الآيات الأواخر من سورة " آل عمران " . وقال زيد بن أسلم : المعنى حين تقوم من نوم القائلة لصلاة الظهر . قال ابن العربي : أما نوم القائلة فليس فيه أثر وهو ملحق بنوم الليل . وقال الضحاك : إنه التسبيح في الصلاة إذا قام إليها . الماوردي : وفي هذا التسبيح قولان ؛ أحدهما : وهو قوله سبحان ربي العظيم في الركوع وسبحان ربي الأعلى في السجود . الثاني : أنه التوجه في الصلاة يقول : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك . قال ابن العربي : من قال إنه التسبيح للصلاة فهذا أفضله ، والآثار في ذلك كثيرة أعظمها ما ثبت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال وجهت وجهي الحديث . وقد ذكرناه وغيره في آخر سورة " الأنعام " . وفي البخاري عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : قلت يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي ; فقال : قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم .
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)

القول في تأويل قوله تعالى : وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ) يا محمد الذي حكم به عليك, وامض لأمره ونهيه, وبلغ رسالاته ( فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) يقول جلّ ثناؤه: فإنك بمرأى منا نراك ونرى عملك, ونحن نحوطك ونحفظك, فلا يصل إليك من أرادك بسوء من المشركين.
وقوله: ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: إذا قمت من نومك فقل: سبحان الله وبحمده.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو أحمد, قال: ثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص, في قوله: ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) قال: من كل منامة, يقول حين يريد أن يقوم: سبحانَك وبحمدك.
حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص عوف بن مالك ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ) قال: سبحان الله وبحمده.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) قال: إذا قام لصلاة من ليل أو نهار. وقرأ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ قال: من نوم. ذكره عن أبيه.
وقال بعضهم: بل معنى ذلك: إذا قمت إلى الصلاة المفروضة فقل: سبحانك اللهمّ وبحمدك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا ابن المبارك, عن جُوَيبر, عن الضحاك ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) قال: إذا قام إلى الصلاة قال: سبحانك اللهمّ وبحمدك, وتبارك اسمك ولا إله غيرك.
وَحُدِّثت عن الحسين , قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) إلى الصلاة المفروضة.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: وصلّ بحمد ربك حين تقوم من مَنامك, وذلك نوم القائلة, وإنما عنى صلاة الظهر.
وإنما قلت: هذا القول أولى القولين بالصواب, لأن الجميع مجمعون على أنه غير واجب أن يقال في الصلاة: سبحانك وبحمدك, وما روي عن الضحاك عند القيام إلى الصلاة, فلو كان القول كما قاله الضحاك لكان فرضا أن يُقال لأن قوله ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ) أمر من الله تعالى بالتسبيح, وفي إجماع الجميع على أن ذلك غير واجب الدليل الواضح على أن القول في ذلك غير الذي قاله الضحاك.
فإن قال قائل: ولعله أريد به الندب والإرشاد. قيل: لا دلالة في الآية على ذلك, ولم تقم حجة بأن ذلك معنيّ به ما قاله الضحاك, فيحمل إجماع الجميع على أن التسبيح عند القيام إلى الصلاة مما خير المسلمون فيه دليلا لنا على أنه أُريد به الندب والإرشاد.
وإنما قلنا: عُني به القيام من نوم القائلة, لأنه لا صلاة تجب فرضا بعد وقت من أوقات نوم الناس المعروف إلا بعد نوم الليل, وذلك صلاة الفجر, أو بعد نوم القائلة, وذلك صلاة الظهر; فلما أمر بعد قوله ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) بالتسبيح بعد إدبار النجوم, وذلك ركعتا الفجر بعد قيام الناس من نومها ليلا عُلِم أن الأمر بالتسبيح بعد القيام من النوم هو أمر بالصلاة التي تجب بعد قيام من نوم القائلة على ما ذكرنا دون القيام من نوم الليل.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features