لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)

( ليعلم ) قرأ يعقوب : " ليعلم " بضم الياء أي ليعلم الناس ( أن ) الرسل ( قد أبلغوا ) وقرأ الآخرون بفتح الياء أي : " ليعلم " الرسول ، أن الملائكة قد أبلغوا ( رسالات ربهم وأحاط بما لديهم ) أي : علم الله ما عند الرسل فلم يخف عليه شيء ( وأحصى كل شيء عددا ) قال ابن عباس : أحصى ما خلق وعرف عدد ما خلق فلم يفته علم شيء حتى مثاقيل الذر والخردل . ونصب " عددا " على الحال ، وإن شئت على المصدر ، أي عد [ عدا ] .
لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)

قوله تعالى : ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا قوله تعالى : ليعلم قال قتادة ومقاتل : أي ليعلم محمد أن الرسل قبله قد أبلغوا الرسالة كما بلغ هو الرسالة . وفيه حذف يتعلق به اللام ; أي أخبرناه بحفظنا الوحي ليعلم أن الرسل قبله كانوا على مثل حالته من التبليغ بالحق والصدق .
وقيل : ليعلم محمد أن قد أبلغ جبريل ومن معه إليه رسالة ربه ; قاله ابن جبير . قال : ولم ينزل الوحي إلا ومعه أربعة حفظة من الملائكة عليهم السلام . وقيل : ليعلم الرسل أن الملائكة بلغوا رسالات ربهم .
وقيل : ليعلم الرسول أي رسول كان أن الرسل سواه بلغوا .
وقيل : أي ليعلم إبليس أن الرسل قد أبلغوا رسالات ربهم سليمة من تخليطه واستراق أصحابه .
وقال ابن قتيبة : أي ليعلم الجن أن الرسل قد بلغوا ما نزل عليهم ولم يكونوا هم المبلغين باستراق السمع عليهم .
وقال مجاهد : ليعلم من كذب الرسل أن المرسلين قد بلغوا رسالات ربهم . وقراءة الجماعة ليعلم بفتح الياء وتأويله ما ذكرناه . وقرأ ابن عباس ومجاهد وحميد ويعقوب بضم الياء أي ليعلم الناس أن الرسل قد أبلغوا .
وقال الزجاج : أي ليعلم الله أن رسله قد أبلغوا رسالاته بفتح الياء ; كقوله تعالى : ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين المعنى ليعلم الله ذلك علم مشاهدة كما علمه غيبا .
وأحاط بما لديهم أي أحاط علمه بما عندهم ، أي بما عند الرسل وما عند الملائكة . وقال ابن جبير : المعنى : ليعلم الرسل أن ربهم قد أحاط علمه بما لديهم ، فيبلغوا رسالاته .
وأحصى كل شيء عددا أي أحاط بعدد كل شيء وعرفه وعلمه فلم يخف عليه منه شيء . و ( عددا ) نصب على الحال ، أي أحصى كل شيء في حال العدد ، وإن شئت على المصدر ، أي أحصى وعد كل شيء عددا ، فيكون مصدر الفعل المحذوف . فهو سبحانه المحصي المحيط العالم الحافظ لكل شيء وقد بينا جميعه في الكتاب الأسنى ، في شرح أسماء الله الحسنى . والحمد لله وحده .
لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)

{ لِيَعْلَمَ } بذلك { أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ } بما جعله لهم من الأسباب، { وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ } أي: بما عندهم، وما أسروه وأعلنوه، { وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا } وفي هذه السورة فوائد كثيرة: منها: وجود الجن، وأنهم مكلفون مأمورون مكلفون منهيون، مجازون بأعمالهم، كما هو صريح في هذه السورة.
ومنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول إلى الجن، كما هو رسول إلى الإنس ، فإن الله صرف نفر الجن ليستمعوا ما يوحى إليه ويبلغوا قومهم.
ومنها: ذكاء الجن ومعرفتهم بالحق، وأن الذي ساقهم إلى الإيمان هو ما تحققوه من هداية القرآن، وحسن أدبهم في خطابهم.
ومنها: اعتناء الله برسوله، وحفظه لما جاء به، فحين ابتدأت بشائر نبوته، والسماء محروسة بالنجوم، والشياطين قد هربت عن أماكنها، وأزعجت عن مراصدها، وأن الله رحم به الأرض وأهلها رحمة ما يقدر لها قدر، وأراد بهم ربهم رشدا، فأراد أن يظهر من دينه وشرعه ومعرفته في الأرض، ما تبتهج به القلوب، وتفرح به أولو الألباب، وتظهر به شعائر الإسلام، وينقمع به أهل الأوثان والأصنام.
ومنها: شدة حرص الجن لاستماع الرسول صلى الله عليه وسلم، وتراكمهم عليه.
ومنها: أن هذه السورة قد اشتملت على الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك، وبينت حالة الخلق، وأن كل أحد منهم لا يستحق من العبادة مثقال ذرة، لأن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم، إذا كان لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا، بل ولا يملك لنفسه، علم أن الخلق كلهم كذلك، فمن الخطأ والغلط اتخاذ من هذا وصفه إلها [آخر] مع الله. ومنها: أن علوم الغيوب قد انفرد الله بعلمها، فلا يعلمها أحد من الخلق، إلا من ارتضاه الله وخصه بعلم شيء منها. تم تفسير سورة قل أوحي إلي، ولله الحمد
لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)

وقوله: (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ ) اختلف أهل التأويل في الذي عُنِي بقوله: (لِيَعْلَمَ ) فقال بعضهم: عُنِي بذلك رسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: معنى الكلام: ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد أبلغت الرسل قبله عن ربها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ ) ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرسل قبله قد أبلغت عن ربها وحفظت.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ ) قاله: ليعلم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أن الرسل قد أبلغت عن الله، وأن الله حفظها، ودفع عنها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليعلم المشركون أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ ) قال ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليعلم محمد أن قد بلغت الملائكة رسالات ربهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، في قوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) قال: أربعة حفظة من الملائكة مع جبرائيل (لِيَعْلَمَ ) محمد (أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ) قال: وما نـزل جبريل عليه السلام بشيء من الوحي إلا ومعه أربعة حفظة.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندنا بالصواب، قول من قال: ليعلم الرسول أن الرسل قبله قد أبلغوا رسالات ربهم؛ وذلك أن قوله: (لِيَعْلَمَ ) من سبب قوله: (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) وذلك خبر عن الرسول، فمعلوم بذلك أن قوله ليعلم من سببه إذ كان ذلك خبرا عنه.
وقوله: (وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ ) يقول: وعلم بكلّ ما عندهم (وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ) يقول: علم عدد الأشياء كلها، فلم يخف عليه منها شيء.
وقد حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير أنه قال في هذه الآية (إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ )... إلى قوله: (وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ) قال: ليعلم الرسل أن ربهم أحاط بهم، فبلغوا رسالاتهم.
آخر تفسير سورة الجن.
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features