مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)

القول في تأويل قوله : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما كان ينبغي للنبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به= " أن يستغفروا ", يقول: أن يدعوا بالمغفرة للمشركين, ولو كان المشركون الذين يستغفرون لهم= " أولي قربى ", ذوي قرابة لهم= " من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم "، يقول: من بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان، وتبين لهم أنهم من أهل النار، لأن الله قد قضى أن لا يغفر لمشرك، فلا ينبغي لهم أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله. فإن قالوا: فإن إبراهيم قد استغفر لأبيه وهو مشرك؟ فلم يكن استغفارُ إبراهيم لأبيه إلا لموعدة وعدها إياه. فلما تبين له وعلم أنه لله عدوٌّ، خلاه وتركه ، وترك الاستغفار له, وآثر الله وأمرَه عليه, فتبرأ منه حين تبين له أمره. (17)
* * *
واختلف أهل التأويل في السبب الذي نـزلت هذه الآية فيه.
فقال بعضهم: نـزلت في شأن أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر له بعد موته, فنهاه الله عن ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
17324- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية, فقال: يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمةً أحاجُّ لك بها عند الله! فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنْهَ عنك! فنـزلت: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ", ونـزلت: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ، [القصص: 56].
17325- حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال، حدثنا عمي عبد الله بن وهب قال، حدثني يونس, عن الزهري قال، أخبرني سعيد بن المسيب, عن أبيه, قال: لما حضرت أبا طالب الوفاةُ، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمةً أشهد لك بها عند الله! قال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن مِلَّة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيدُ له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخرَ ما كلَّمهم: " هو على ملة عبد المطلب ", وأبى أن يقول: " لا إله إلا الله ", فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لأستغفرنَّ لك ما لم أنْهَ عنك! فأنـزل الله: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين "، وأنـزل الله في أبي طالب, فقال لرسول الله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ، الآية. (18)
-------------------------
الهوامش :
(17) انظر تفسير ألفاظ الآية فيما سلف من فهارس اللغة .
(18) الأثر : 17325 - هذا حديث صحيح . رواه البخاري وصححه (الفتح 3 : 176 ، 177 ) من طريق إسحاق ، عن يعقوب بن إبراهيم ، عن أبي صالح ، عن ابن شهاب الزهري ، ورواه أيضا ( الفتح 8 : 258 ) من طريق إسحاق بن إبراهيم ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، ثم رواه أيضا ( الفتح : 8 : 389 ) من طريق أبي اليمان ، عن شعيب عن الزهري .
ورواه مسلم في صحيحه 1 : 213 - 216 ، من طرق ، أولها هذه الطريق التي رواها منه أبو جعفر.
ورواه أحمد في مسنده 5 : 433 ، من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري .
وكلها أسانيد صحاح .
وسيأتي برقم : 17328 ، عن سعيد بن المسيب ، لم يرفعه عن أبيه ، بغير هذا اللفظ .
 
آيــات | Ayat

آيــــات - القرآن الكريم Holy Quran - مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود

هذه هي النسخة المخففة من المشروع - المخصصة للقراءة والطباعة - للاستفادة من كافة المميزات يرجى الانتقال للواجهة الرئيسية
This is the light version of the project - for plain reading and printing - please switch to Main interface to view full features