فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
يقول الله جلّ ثناؤه: فاستجبنا لزكريا دعاءه ، ووهبنا له يحيى ولدا ووارثا يرثه ، وأصلحنا له زوجه.
واختلف أهل التأويل في معنى الصلاح الذي عناه الله جلّ ثناؤه بقوله ( وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) فقال بعضهم: كانت عقيما فأصلحها بأن جعلها وَلُودا.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن حميد بن صخر ، عن عمار ، عن سعيد ، في قوله ( وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) قال: كانت لا تلد.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال: قال ابن عباس ، في قوله ( وأصلحنا له زوجه ) قال: وهبنا له ولدها.
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) كانت عاقرا ، فجعلها الله ولودا ، ووهب له منها يحيى.
وقال آخرون: كانت سيئة الخلق ، فأصلحها الله له بأن رزقها حُسن الخُلُق.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أصلح لزكريا زوجه ، كما أخبر تعالى ذكره بأن جعلها ولودا حسنة الخُلُق ، لأن كل ذلك من معاني إصلاحه إياها ، ولم يخصُصِ الله جلّ ثناؤه بذلك بعضا دون بعض في كتابه ، ولا على لسان رسوله ، ولا وضع ، على خصوص ذلك دلالة ، فهو على العموم ما لم يأت ما يجب التسليم له بأن ذلك مراد به بعض دون بعض.
وقوله ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ) يقول الله: إن الذين سميناهم ، يعني زكريا وزوجه ويحيى ، كانوا يسارعون في الخيرات في طاعتنا ، والعمل بما يقرّبهم إلينا، وقوله ( وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ) يقول تعالى ذكره: وكانوا يعبدوننا رغبا ورهبا ، وعنى بالدعاء في هذا الموضع: العبادة ، كما قال وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ويعنى بقوله ( رَغَبا ) أنهم كانوا يعبدونه رغبة منهم فيما يرجون منه من رحمته وفضله (وَرَهَبا ) يعني رهبة منهم من عذابه وعقابه ، بتركهم عبادته وركوبهم معصيته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ) قال: رغبا في رحمة الله ، ورهبا من عذاب الله.
حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ) قال: خوفا وطمعا ، قال: وليس ينبغي لأحدهما أن يفارق الآخر.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار ( رَغَبًا وَرَهَبًا ) بفتح الغين والهاء من الرغَب والرهَب ، واختلف عن الأعمش في ذلك ، فرُويت عنه الموافقة في ذلك للقرّاء ، ورُوي عنه أنه قرأها رُغْبا ورُهْبا بضم الراء في الحرفين وتسكين الغين والهاء.
والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار ، وذلك الفتح في الحرفين كليهما.
وقوله ( وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) يقول: وكانوا لنا متواضعين متذللين ، ولا يستكبرون عن عبادتنا ودعائنا.