إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)
إلا من رحم ربك استثناء منقطع ; أي لكن من رحم ربك بالإيمان والهدى فإنه لم يختلف . وقيل : مختلفين في الرزق ، فهذا غني وهذا فقير . إلا من رحم ربك بالقناعة ; قاله الحسن .
ولذلك خلقهم قال الحسن ومقاتل ، وعطاء ويمان : الإشارة للاختلاف ، أي وللاختلاف خلقهم . وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك : ولرحمته خلقهم ; وإنما قال : ولذلك ولم يقل ولتلك ، والرحمة مؤنثة لأنه مصدر ; وأيضا فإن تأنيث الرحمة غير حقيقي ، فحملت على معنى الفضل . وقيل . الإشارة بذلك للاختلاف والرحمة ، وقد يشار ب " ذلك " إلى شيئين متضادين ; كقوله تعالى : لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك ولم يقل بين ذينك ولا تينك ، وقال : والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما وقال : ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا وكذلك قوله : قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا وهذا أحسن الأقوال إن شاء الله تعالى ; لأنه يعم ، أي ولما ذكر خلقهم ; وإلى هذا أشار مالك - رحمه الله - فيما روى عنه أشهب ; قال أشهب : سألت مالكا عن هذه الآية قال : خلقهم ليكون فريق في الجنة وفريق في السعير ; أي خلق أهل الاختلاف للاختلاف ، وأهل الرحمة للرحمة . وروي عن ابن عباس أيضا قال : خلقهم فريقين ، فريقا يرحمه وفريقا لا يرحمه . قال المهدوي : وفي الكلام على هذا التقدير تقديم وتأخير ; المعنى : ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ، وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ; ولذلك ، خلقهم . وقيل : هو متعلق بقوله ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود والمعنى : ولشهود ذلك اليوم خلقهم . وقيل : هو متعلق بقوله : فمنهم شقي وسعيد أي للسعادة والشقاوة خلقهم .
قوله تعالى : وتمت كلمة ربك معنى " تمت " ثبت ذلك كما أخبر وقدر في أزله ; وتمام الكلمة امتناعها عن قبول التغيير والتبديل .
" لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " " من " لبيان الجنس ; أي من جنس الجنة وجنس الناس . " أجمعين " تأكيد ; وكما أخبر أنه يملأ ناره كذلك أخبر على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنه يملأ جنته بقوله : ولكل واحدة منكما ملؤها . خرجه البخاري من حديث أبي هريرة وقد تقدم .