إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29)
وقوله : ( إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ) قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي في قوله : ( إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ) أي : بإثم قتلي وإثمك الذي عليك قبل ذلك .
قال ابن جرير : وقال آخرون : يعني ذلك أني أريد أن تبوء بخطيئتي ، فتتحمل وزرها ، وإثمك في قتلك إياي . وهذا قول وجدته عن مجاهد وأخشى أن يكون غلطا ; لأن الصحيح من الرواية عنه خلافه . يعني : ما رواه سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد : ( إني أريد أن تبوء بإثمي ) قال : بقتلك إياي ، ( وإثمك ) قال : بما كان منك قبل ذلك .
وكذا روى عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله ، وروى شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ) يقول : إني أريد أن يكون عليك خطيئتي ودمي ، فتبوء بهما جميعا .
قلت : وقد يتوهم كثير من الناس هذا القول ، ويذكرون في ذلك حديثا لا أصل له : ما ترك القاتل على المقتول من ذنب .
وقد روى الحافظ أبو بكر البزار حديثا يشبه هذا ، ولكن ليس به ، فقال : حدثنا عمرو بن علي حدثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني حدثنا يعقوب بن عبد الله حدثنا عتبة بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قتل الصبر لا يمر بذنب إلا محاه " .
وهذا بهذا لا يصح ولو صح فمعناه أن الله يكفر عن المقتول بألم القتل ذنوبه ، فأما أن تحمل على القاتل فلا . ولكن قد يتفق هذا في بعض الأشخاص ، وهو الغالب ، فإن المقتول يطالب القاتل في العرصات فيؤخذ له من حسناته بقدر مظلمته ، فإن نفدت ولم يستوف حقه أخذ من سيئات المقتول فطرحت على القاتل ، فربما لا يبقى على المقتول خطيئة إلا وضعت على القاتل . وقد صح الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المظالم كلها ، والقتل من أعظمها وأشدها ، والله أعلم .
وأما ابن جرير فقال والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن تأويله : إني أريد أن تنصرف بخطيئتك في قتلك إياي - وذلك هو معنى قوله : ( إني أريد أن تبوء بإثمي ) وأما معنى ( وإثمك ) فهو إثمه بغير قتله ، وذلك معصيته الله ، عز وجل ، في أعمال سواه .
وإنما قلنا هو الصواب ، لإجماع أهل التأويل عليه ، وأن الله ، عز وجل ، أخبرنا أن كل عامل فجزاء عمله له أو عليه وإذا كان هذا حكمه في خلقه ، فغير جائز أن تكون آثام المقتول مأخوذا بهذا القاتل ، وإنما يؤخذ القاتل بإثمه بالقتل المحرم وسائر آثام معاصيه التي ارتكبها بنفسه دون ما ركبه قتيله .
هذا لفظه ثم أورد سؤالا حاصله : كيف أراد هابيل أن يكون على أخيه قابيل إثم قتله ، وإثم نفسه ، مع أن قتله له محرم ؟ وأجاب بما حاصله أن هابيل أخبر عن نفسه بأنه لا يقاتل أخاه إن قاتله ، بل يكف يده عنه ، طالبا - إن وقع قتل - أن يكون من أخيه لا منه .
قلت : وهذا الكلام متضمن موعظة له لو اتعظ ، وزجرا له لو انزجر ; ولهذا قال : ( إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ) أي : تتحمل إثمي وإثمك ( فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين )
وقال ابن عباس : خوفه النار فلم ينته ولم ينزجر .